فى مفاجأة من العيار الثقيل بعتلنا د. حسانين فهمى الغنى عن التعريف طبعا مقال مميز وقيم جدا عن الترجمة الأدبية
مش هنتلكم كتير و نسيبكم تستمتعوا بقراءة المقال
الترجمة الأدبية بين الأمانة
والإتقان
حسانين فهمي حسين
ترجمة
الأدب تتطلب من القائم عليها دراسة أدبية ونقدية، ودراسة لنظرية الترجمة إلى جانب
إجادة اللغتين المترجم منها وإليها والإلمام بثقافة كل من اللغتين. وهناك من يعتقد
أن الترجمة الأدبية لا يمكن أن تتم إلا على يد أديب. أي أن مترجم الأدب يجب أن
يكون أديباً. ويرى الدكتور محمد عناني أن "المترجم كاتب، بمعنى
أنه يصوغ الأفكار في كلمات موجهة إلى قارئ، "والفارق بينه وبين الكاتب الأصيل
هو أن الأفكار التي يصوغها ليست أفكاره بل أفكار سواه" كما يحدد الدكتور محمد
عوض في كتابه "فن الترجمة" الشروط التي يجب أن تتوافر في مترجم الأدب
فيقول "إن أول شرط يخطر إلى أذهاننا أن المترجم الذى سيكون إنتاجه أثراً
أدبياً يحاكى الأثر المترجم، يجب أن يكون هو نفسه أديباً راسخ القدم في التأليف الأدبي،
ولا يكفي أن يكون ملماً أحسن إلمام باللغتين، فالأدب روح واستعداد وسليقة، وهذه
أشياء تستند إلى طبع في النفس ولا تكتسب... فليس من المستغرب... أن نطلب من مترجم
الأدب أن يكون أديبا، أو مترجم الشعر أن يكون شاعراً".
فالترجمة
في حد ذاتها عملية تتطلب أكثر من المعرفة اللغوية، وأنه في مجال الترجمة الأدبية
لا يوجد ما يمكن تسميته بالنص المثالي أو الترجمة النموذجية. فدقة الترجمة تعتمد
إلى حد كبير على مستوى المترجم في اللغتين المترجم منها وإليها وثقافته الخاصة.
فعلى المترجم الجيد أن يتمكن أولًا من هضم النص الأصلي وفهمه فهما جيدًا قبل
الشروع في عملية الترجمة "ولعلّ عدم الفهم يأسر المترجم بقالبٍ محدّد ويفرض
عليه نمطاً معيّناً في التعاطي مع النصّ المصدر. فقد يحاول المترجم – رغبة منه في
الحفاظ على الشكل "المثالي"
للنص المصدر – (يحاول) أن ينقل التركيبة ذاتها الى النصّ الهدف. وقد يذهب إلى حدِّ
المغالاة في الحفاظ على بنية النصّ المصدر فيكون نِتاجه نصّاً بالعربية صيغ
بتراكيب أجنبية."
وبالمثل يجب أن يمتلك المترجم اللغة التي يترجم إليها قبل
أن يبدأ في الترجمة. فالمترجم الجيد هو من يستطيع أن يقدم ترجمة دقيقة وقريبة من
النص الأصلي، دون الإخلال بقواعد اللغة المترجم إليها وقوانينها. وهو الذى ينجح في
نقل النص من لغة إلى أخرى بأقل قدر من الخسارة سواء في المعنى أم في الشكل. وحيث
تؤكد الدراسات المعنية بالترجمة على دور المترجم ومميزاته ومدى إتقانه للغتين
المترجم منها وإليها وتأثير ذلك على النصوص التي ينتجها سواء بالإيجاب أو بالسلب.
ومن المتطلبات الأساسية التي حددها علماء الترجمة "أن يكون المترجم على
إلمامٍ كافٍ باللغة التي يترجم منها، بحيث يستوعب ظلال المعنى والقيمة العاطفية
لكل كلمة والتركيبات المختلفة التي تحدد "طعم النص والمشاعر التي
يثيرها". أما ما يتعلق باللغة التي يترجم إليها، فيرى يوجين نيدا المتخصص في
علم الترجمة "أن تمكن المترجم من اللغة التي يترجم إليها أهم بكثير من معرفته
باللغة التي يترجم منها، ويؤكد أن أغلب الأخطاء التي يرتكبها المترجم وأكثرها
خطورة أخطاء في اللغة التي يترجم إليها". وهذا ما يؤكد على أهمية مستوى
المترجم في اللغتين المترجم منها وإليها، ومدى معرفته لثقافة هاتين اللغتين مما
يكون له عظيم الأثر على ترجماته.
فالذي يتصدى
للترجمة بين اللغتين العربية والصينية يجب أن يكون متمكناً في اللغة العربية وأن
يكون على دراية كبيرة بالثقافة العربية والإسلامية، وأن يكون في الوقت ذاته على
مستوى جيد في اللغة الصينية، ويكون على دراية كبيرة بثقافة وتاريخ الصين وعادات
وتقاليد ولهجات شعبها الكبير بمختلف أعراقه وثقافاته. فكيف يمكن أن يتصدى مترجم
اللغة الصينية لأعمال كاتب صيني كبير مثل الكاتب لاوشه فنان الشعب الصيني، وهو لا
يعلم الكثير عن بكين وثقافتها وأهلها وعاداتهم وتقاليدهم تلك التي صورها لاوشه في
جُل إنتاجه القصصي والمسرحي، حتى أصبح من الصعب دراسة إبداعات لاوشه بمعزل عن
دراسة بكين ولهجتها وثقافتها وعادات أهلها. وكيف لمترجم أن يتصدى لترجمة أعمال
مويان صاحب نوبل الآداب 2012 وهو لا يعلم الكثير عن مقاطعة شاندونغ بشرق الصين
وبيئة الريف الصيني في منطقة قاومي مسقط رأس الكاتب التي كانت مسرحاً رئيسياً
لمعظم إبداع مويان. أو كما ذكر
مويان في حوار لنا معه "أتخذ من مسقط رأسي قرية دونغبيي بمدينة قاومي مسرحاً
لأحداث أعمالي الأدبية، كصورة مصغرة للصين، أنظر إلى الصين وإلى العالم أجمع من
هنا من ريف دونغبيي بشاندونغ". فالنص
الأدبي ما هو إلا انعكاس لثقافة وبيئة صاحبه.
كما يجب أن يعلم المتصدي لترجمة الأدب جيدًا أن
"المترجم الأدبي لا ينحصر همه في نقل دلالة الألفاظ أو ما يعرف بالإحالة، أي
إحالة القارئ إلى نفس الشيء الذى يقصده المؤلف، بل يتجاوز المترجم ذلك إلى المغزى
وإلى التأثير الذى يُفترض أن المؤلف يعتزم إحداثه في نفس القارئ." وهنا يمكن
القول بأن المترجم هو مؤلف بالنيابة. وصدق من قال "أن الترجمة الجيدة قد تحسن
من النص الأصلي". وخلاصة القول،
فإن نجاح عملية الترجمة الأدبية، تعتمد إلى حد كبير على فهم المترجم للنص الأصل في
سياقه الدقيق، قبل أن يعمل على إخراج نصه المترجم في أحسن صورة.