赛珍珠 بيرل باك .. صينية اللسان , أمريكية المولد

حلم كل دارسي اللغات .. إتقان تلك اللغة التي عكفوا علي دراستها , وإجادة التعبير بها كلاما وكتابة , وتشّرُب ثقافة أهلها فهما وتطبيقا .. ولاسيما دارسي اللغة الصينية .. يتبادر لاذهاننا جميعا صعوبة تحقيق ذلك مع لغتنا العزيزة علي القلب المستعصية علي العقل اللغة الصينية . ولكن الباحث ف تاريخ الصين سيجد كثيرين ممن إخترقوا تلك القاعدة وباتوا اسثناءا لكل دارسي اللغات عموما ودارسي الصينية خاصة .

赛珍珠 Sài zhēnzhū بيرل باك .. من اشهر حالات الاستثناء ومن أكثرها تأثيرا .. لم تصل في إجادتها للغة الصينية كلاما ونطقا وترجمة فقط , بل تعدتها الي استخدمها لغة للتعليم كـ معلمة  , وناقدة صحافية صاحبة رأي ومنهج  , ثم ثقافة صاغتها فـ كتاباتها والتي عبرت فيها عن تجربتها في تفاصيل اصحاب تلك اللغة لسنوات طويلة .. كان حصادها نيل جائزة نوبل للآداب عن مجمل أعمالها .

فمن هي بيرل باك ..  من أكبر كتاب العالم و ممن طبقت حسب معايير جائزة نوبل للآداب مفهوم العالمية بتعبيرها الصادق و المميز في كتاباتها الأدبية عن الحياة الصينية في مختلف العصور على الرغم من هويتها الأمريكية إلا أن حياتها في الصين منذ الطفولة جعلتها كما قالت لم تشعر بأي فرق بينها و بين الصينيون لأن نفحات الشرق صبغت الصين بالسماحة و الجود و الكرم في التعامل مع الآخرين على الرغم من وجود بعض القلة المتعصبة التي كانت تعامل الأجانب بتعنت و لكن جاءت بيرل بك لتعبر عن الصين بحيادية شديدة  لتبعد بعض الشيء عن أمريكا سمة التصلت على الآخر.
ولدت بيرل باك يوم 26 يونيو من عام 1892 في بلدة هيلسبور بولاية فرجينيا حيث ولدت بأمريكا عند عودة أبويها من الصين إلى الوطن الأم ثم عند إتمامها الخمسة أشهر عادت مع أبويها للوطن الثاني موطيء الوحي و الإلهام المستقبلي للطفلة بيرل باك في الصين ، كان أبويها يعملان بمجال التبشير بالصين من خلال نشر الديانة المسيحية و سكنت عائلة باك في حي صيني بمدينة (شين كيانج) بعد شرائهم لمسكن في هذا الحي و أثناء تلك الفترة كانت باك في حالة توائم شديد مع البيئة الصينية مع حرص أبويها على أن تتمسك بالهوية الأمريكية و تجويد سليقتها الإنجليزية بالصوتية الأمريكية حتى لا تفقد جذورها الأصلية و تأكد ذلك بإلتحاقها بمدرسة إنجليزية بالصين و هي في الرابعة عشرة من عمرها عام 1906 في مدينة شنغهاي و بعدها بعامين سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية و ألتحقت بمدرسة للتعليم العالي بولاية فرجينيا و أثناء دراستها كانت تكتب القصص و حازت على جوائز عديدة من خلال تلك الكتابات مع عملها بالتدريس و في عام 1914 عادت إلى الصين لمرض والدتها و أستمرت في مجال التدريس حيث كانت تدرس الأدب الإنجليزي بجامعة شنغهاي.
 في عام 1917 تزوجت بيرل باك من  رجل إقطاعي أمريكي ينتمي لولاية كنزاس يدعى جون لوسينج باك كان منتدبًا لدراسة الفلاحة بالصين و إنتقلا إلى بلدة سوزوهو بمقاطعة أنهووي في شمال الصين و أثناء تلك الفترة عانيا شظف العيش و القحط و سنوات عجاف إجتاحت تلك البلدة و هذا ما عبرت عنه في روايتها الشهيرة التي كتبتها عام 1931 بعنوان (الأرض الطيبة) حيث عبرت عن حياة الفلاح الصيني عبر أجيال مختلفة.
كانت بيرك باك تهوى الترحال بين البلاد الأسيوية و قامت برحلة مكوكية باليابان و قالت عن اليابان أنها دولة ليس كل من فيها يحمل الفكر العسكري و أخذت تدون ملاحظاتها تجاه اليابان ثم كوريا التي تجولت فيها لتدخر في جعبتها الحكائية الكثير و الكثير من أجل الأدب المدخر لها في ذاكرتها.
في عام 1930 كانت العلاقة الزوجية بين بيرل باك و وزجها يشوبها الإضطراب و عدم الإستقرار  إلى جانب مرض أمها الذي يسأل المال و هنا قررت بيرل باك أن تمتهن الكتابة الأدبية من أجل الصرف على نفسها و أمها و كانت باكورة أعمالها رواية (رياح الشرق و رياح الغرب) و التي أعلنت عن مولد روائية مميزة في عالم الأدب ما بين السليقة الأمريكية و الأريحية الصينية و في عام 1931 تعرفت على الناشر (ريتشارد والاش) الذي يعمل بدار نشر (جون داي) و الذي نشر لها روايتها الأشهر (الأرض الطيبة) و هي الجزء الأول من ثلاثيتها (بيت الأرض) و التي تنقسم إلى:
الجزء الأول (الأرض الطيبة) 1931.
الجزء الثاني (الأبناء) 1933.
الجزء الثالث (إنقسام البيت) 1935.
هنا كان لوالاش دور بارز في نشر تلك الثلاثية المميزة التي تحمل في طياتها عبق الحضارة الصينية المميزة التي مزجت بين القديم و الحديث عبر عصور مختلفة من خلال أسرة ريفية تكافح في الحياة ما بين الصعود و الهبوط من أجل الوصول إلى التميز في عالم الفلاحة.
تسلمت بيرك باك جائزة نوبل عام 1938 من الملك السويدي جوستاف الخامس و كان معها الفيزيائي الإيطالي إنريكو فيرمي يتسلمها في الفيزياء أما باقي الجوائز فكانت محجوبة لرفض العلماء الألمان في الطب و الكيمياء بالإكراه من خلال هتلر برفض الجائزة .
 و عند إلقائها لخطاب الفوز قالت:
(حينما أتكلم بينكم الآن فمن الخطأ علي أن لا أذكر الصين رغم نشأتي و أصولي الأمريكية و لكن أذكر الصين حينما أذكر لكم بداياتي مع القصة لأن أصل الحكي و الرواية يرتبط بالصين لحضارتها العريقة المتسمة بعناصر الحكي الثري و من المخطيء من كتاب الصين الحاليين أن يتأثروا بعناصر الأدب الغربي و لا يستقوا من موروثاتهم الثرية التي هي في الأصل جذر الأدب الغربي من حيث العناصر الفنية).

ظلت باك متنقلة بين الصين وطن الهوى و أمريكا الوطن الأم و أخذت تنهل بين الثقافتين فكريًا و أدبيًا لتكون الأمريكية ذات البادرة الأولى في كسر حاجز العنصرية الأمريكية تجاه الأمريشيان (الأمريكان ذو الأصول الأسيوية) حيث بذلت مجهودًا كبيرًا في كسر الفجوات العنصرية بين الأمريكان و الأسيويين حيث كانوا يكنوا بذوي اللون الأصفر و هذا ما جعل باك تضع بذرة المقاومة من خلال مؤسسة (بيرل باك الدولية) لرعاية الأطفال الأيتام و قامت بإيواء أطفال آسيا المشردون و المعانون من المجاعة و الفقر و لازالت تلك المؤسسة تقوم بأعمال خيرية كبيرة للبلاد الآسيوية من خلال مقاومة الزلازل و البراكين و الأعاصير و لعل تلك المؤسسة قامت بإخماد نيران العنصرية بين الأمريكان و الآسيويين و لم تأخذ حيزًا كبيرًا في التصاعد كما كان مع الأفروأمريكان.
 في عام 1966 أعلن الزعيم الصيني (ماوتسي دونج) عن الثورة الثقافية بجمهورية الصين الشعبية التي تأسست على يديه عام 1949 و كانت تلك الثورة تحمل اسم (ثورة البروليتاريا الكبرى) لجذر ممثلي البرجوازية من إختلاطهم بالحزب الشيوعي و لصد الفكر الغربي في إختراق الهوية الصينية الشيوعية و هنا طالت رياح الثورة الثقافية (بيرل باك) التي عبرت عن المواطن الصيني و عن الفلاح الصيني أكثر من الصينيون أنفسهم و لكن تمت الوشاية ببيرل باك بإبعادها من الصين بأوامر ماوتسي دونج لأنها تنتمي للثقافة الأمريكية الإمبريالية التوسعية و هنا استمرت باك بالكتابة في وطنها الأم و أخذت تقوم بمشروعات خيرية إلى جانب الجمعيات الخيرية التي أسستها في تايلاند و كوريا الجنوبية و فيتنام و الفلبين و لحنينها للصين قامت بكتابة كتاب (أفضل الأكلات الشرقية و الأسيوية) و عند إقدام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عام 1972 في ولايته الثانية بالرئاسة بإخماد الحرب الباردة الخفية بينه و بين الصين لقوة التنين الصيني اقتصاديًا و سياسيًا قام باللجوء لحل المشكلة بالوئام مع التنين الصيني بزيارته التاريخية الشهيرة للصين عام 1972 و مقابلته لشوان لاي رئيس الوزراء الصيني و مقابلته للزعيم ماوتسي دونج و إستشار نيكسون بيرل باك في تلك الزيارة لمرجعيتها الوافية بالثقافة الصينية و اللغة الصينية و المزاج الصيني و الفكر الصيني .. وظلت باك جسر تواصل قوي بين الصين والعالم من خلال اعمالها ومواقفها المختلفة  إلى أن توفيت يوم 6 مارس من عام 1973. تاركة خلفها إرثا لكل  مهتم بالثقافة واللغة الصينية والآسيوية .
وإلي يومنا هذا يتربع تمثال بيرباك بساحة جامعة نان دينغ الصينية .. شاهدا علي اعتزاز الصين رغم تعاقب الاجيال .
بقلم ..
دعاء عادل حسين 


التعليقات
0 التعليقات